فضيلة شهر شعبان الكريم

Jynxable
headerbg

وقفات حسان مع شهر شعبان

إن الحمد لله - تعالى -، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله - تعالى -من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله - تعالى -فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الأ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ الأ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). [آل عمران:102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالأ كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)(النساء: 1). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (الأحزاب: 70-71). أيها الأخوة الكرام بدخول شهر شعبان الكريم يكن لنا بعض الوقفات، حيث أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- قد أعطي هذا الشهر الكريم اهتماما بالغاً ظهر هذا الأهتمام في عبادته -صلى الله عليه وسلم-، في صومه، في مواعظه، وهذا معلوم من الأحاديث الصحاح التي يأتي في مقدمتها حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه - أنه قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: (( ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)). (حسنه الألباني في صحيح سنن النسائي حديث 2356). هذا الحديث له مكانته في فضائل ومزايا هذا الشهر الكريم. ولنا مع شهر شعبان ثلاث وقفات أسأل الله أن يجعلنا ممن استمع القول فاتبع أحسنه. الوقفة الأولى: فضيلة شهر شعبان الكريم شهر شعبان شهر فضيل، كان نبينا يصوم أكثره، لا يترك من صيام أيامه إلا القليل، والنبي أسوتنا -صلى الله عليه وسلم-، ولما خص النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الشهر بمزيد من العبادة علم أن لهذا الشهر مكانه خاصه، وهي أنه شهر عاده ما يغفل عنه الناس بين رجب الحرام ورمضان شهر الصيام، وأنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى، والاجتهاد في العبادة في شعبان بمثابة التوطئة للدخول في رمضان والاستعداد لشهر الفريضة، ولذا كثر فيه الصوم وصوم شعبان مفضل، مرغوب فيه، مضاعف أجره. قال ابن رجب - رحمه الله -: " صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم، وأفضل التطوع ما كان قريب من رمضان قبله وبعده، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد عنه ". (لطائف المعارف). وعن أبي سلمة، أن عائشة - رضي الله عنها -، حدثته قالت: لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهراً أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله "(صحيح البخاري1881). وعن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - أنها قالت: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان " (صحيح مسلم حديث: ‏2028). قال الأمام ابن حجر - رحمه الله -: "وفي الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان" قال شيخ الإسلام الأمام ابن القيم - رحمه الله - وفي صومه - صلى الله عليه وسلم - أكثر من غيره ثلاث معان: أحدها: أنه كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فربما شُغِل عن الصيام أشهراً، فجمع ذلك في شعبان؛ ليدركه قبل الصيام الفرض. الثاني: أنه فعل ذلك تعظيماً لرمضان، وهذا الصوم يشبه سنة فرض الصلاة قبلها تعظيماً لحقها. الثالث: أنه شهر ترفع فيه الأعمال؛ فأحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُرفعَ عملُه وهو صائم". (تهذيب السنن). هذه النقول في فضل شعبان وهذا يحثنا ويدلنا علي عظم العبادة وفضلها وأهميتها في هذا الشهر الكريم المبارك. الوقفه الثانية: "شعبان شهر السقي" هذه مقولة هامه، لأحد سلفنا الصالح وهو أبو بكر البلخي - رحمه الله - حيث قال: رجب شهر الزرع وشعبان شهر السقي للزرع ورمضان شهر حصاد الزرع "(لطائف المعارف). كيف لمن لم يزرع ولم يسقي زرعه أن يحصد وأن ينتج كمن زرع وسقا وانشغل واهتم فلن يستوي هذا وذاك، لا يستوي من جاهد نفسه وعلت همته وقويت إرادته، ومن بلغت به الدنيا مبلغ التيه والضياع قال الله - عز وجل -: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69]. من بذل وسعه في الحصول على الخير واغتنام الوقت يسر الله له ذالكم الأجر ومن أراد طاعة الله وفقه الله لذلك، والذين جاهدوا فينا أي اجتهد في الوصول إلى الحق، يسر الله له الحق، (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) [الليل: 5-7]. فالعجل العجل قبل فوات الأجل، من الأن أين هي النية الصالحة؟ أين هو وردك في القرآن؟ أين هي العزيمة والأصرار على المنافسة؟ وأين هو الشوق إلى رمضان بالدعاء؟ وماذا نحب أن يرفع لنا من أعمال في هذا الشهر المبارك؟ اللهم بلغنا رمضان برضوانك والعتق من نيرانك من كلمات الشيخ سعد البريك - حفظه الله - أنه قال: جعل الله الحياة ميدان سباق؛ فمن حاز قصب السبق حاز رضوان الله، ومن حاز رضوان الله فقد فاز بجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين". نعم سباق شريف نزيه غايته نبيلة ومراده طيب وهو رضوان الله تبارك وتعالى وما أكرم من ذلك؟ اللهم أنزل علينا رضوانك يا رب. قال أحدهم:" مَضَى رَجَبٌ وَمَا أَحْسَنْتَ فِيهِ *** وَهَذَا شَهْرُ شَعْبَانَ الْمُبَارَكْ فَيَا مَنْ ضَيَّعَ الأوْقَاتَ جَهْلاً *** بِحُرْمَتِهَا أَفِقْ واحْذَرْ بَوَارَكْ فَسَوْفَ تُفَارِقُ اللَّذَاتِ قَهْرًا *** وَيُخْلِي الْمَوْتُ قَهْرًا مِنْكَ دَارَكْ تَدَارَكْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الْخَطَايَا *** بِتَوْبَةِ مُخْلِصٍ وَاجْعَلْ مَدَارَكْ عَلَى طَلَبِ السَّلاَمَةِ مِنْ جَحِيمٍ *** فَخَيْرُ ذَوِي الْجَرَائِمِ مَنْ تَدَارَكْ الوقفة الثالثة: حاجتنا إلى التطهير، وأعني بالتطهير "التوبة النصوح" هدية من الله - عز وجل - إلينا أن نتوب فيمح الله عنا ما مضى، يغفر الزلات ويقيل العثراث ويضاعف الأجور والحسنات، فاللهم أكرمنا بتوبة نصوح يا رب الأرض والسموات. أيها الأخوة: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني. هذا رسول الله، وهذا حاله مع التوبة، ورسول الله هو من هو، هو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يتوب في المجلس الواحد مائة مرة، وما هذا إلا ليلفت أنظارنا إلى منزلة التوبة وأهميتها وحاجتنا إليها؛ لهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)). (رواه الترمذي وحسنه الألباني). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: (( للهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبده حين يتوبُ إليه من أحدِكم كان على راحِلَته بأرضِ فلاةٍ، فانفلَتَت منه وعليها طعامُهُ وشرابُه، فأيِسَ منها، فأتى شجرةً فاضطجَعَ في ظلها وقد أيِسَ من راحِلَته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمةٌ عندَه، فأخذ بخِطامها، ثم قال من شدَّةِ الفرح: "اللهم أنت عبدِي وأنا ربُّك"، أخطأ مِن شدَّةِ الفرح)). (رواه مسلم).فمهما حدث من أخطاء، فربنا كبير يحب عبده التائب ويفرح به ويغفر له، نحن بحاجه إلى أن ندخل رمضان ونحن على طهارة تامه من كل الذنوب، ولن يكون هذا إلا بالتوبة النصوح. أسأل الله الكريم العظيم أن يتول علينا وأن يغفر لنا وأن يبلغنا رمضان وأن يتقبل منا والله تعالى أعلى وأعلم.

أخي الشاب عليك أن تعلم أنك أمل ووقتك هذا لن يعود عليك مرة أخرى، ولن يدوم معك، أعني مرحلة الشباب والنضوج، فهل تستوي إذا كانت في طاعة الله والتمسك بشريعته وهدي رسوله أو إذا كانت في تيه وزيغ وعصيان، لا والله لاتستويان أبدا. هيا بنا لنقف مع آثار الطاعة وما تجلبه على الفرد من كرم وخير وهداية ينبغي عليك أخي الحبيب أن تعلم أن الطاعة سبب في كل خير وأن المعصية سبب في كل شر فالمعاصي سبب لبعد القلب وحرمانه الأنس بالله والسير على نور منه - سبحانه - وتعالى وكفى بذلك من عقاب أن تحرم من لذة السير على نور الله، قال تعالى: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) [الزمر:22]. وقال الله - عز وجل -: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) [الأنعام: 125]. تأمل أخي القسوة التي تدخل إلى القلب بعدها الضيق والحرج، والذي يسير على نور من ربه صدره منشرح لذكر الله ولكتاب الله ولعمل الصالحات والقربات. أخي الشاب إن أعداء الاسلام يعملون عليك ليل نهار ويعدون التقنيات والإلكترونيات لتيسير الحرام والانحدار الخلقي الذي فشي في مجتماعتنا اليوم، وإن الواجب علينا أن نستبدل العصيان إلى قرب من الرحمن والشباب هم عصب الأمه وهم الشريان الأصيل لجسدها. * اعلم أخي الكريم أن التقوى والصلة بالله هي التيسير في الأمور كلها، وبها تقضي الحوائج ويزال الغهم ويدفع الهم وهذا وعد الله ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) (الطلاق 4: 5). بالتقوى ينضج عقل الإنسان ويتكون عنده ملكة قوية وبصيرة نيرة تضيء له الطريق المظلم ويفرق يميز بها بين الحق والباطل وبين النافع والضار بل وتكفر سيئاته وتغفر ذنوبه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) قال أبو جعفر الطبري: "يقول - تعالى -ذكره: (يا أيها الذين آمنوا) صدّقوا الله ورسوله، (إن تتقوا الله) بطاعته وأداء فرائضه، واجتناب معاصيه، وترك خيانته وخيانة رسوله وخيانة أماناتكم (يجعل لكم فرقانًا) يجعل لكم فصلاً وفرْقاً بين حقكم وباطل من يبغيكم السوء من أعدائكم المشركين، بنصره إياكم عليهم، وإعطائكم الظفر بهم ( ويكفر عنكم سيئاتكم)، يقول: ويمحو عنكم ما سلف من ذنوبكم بينكم وبينه ( ويغفر لكم )، يقول: ويغطيها فيسترها عليكم، فلا يؤاخذكم بها ( والله ذو الفضل العظيم )، يقول: والله الذي يفعل ذلك بكم، له الفضل العظيم عليكم وعلى غيركم من خلقه بفعله ذلك وفعل أمثاله، وإنّ فعله جزاءٌ منه لعبده على طاعته إياه، لأنه الموفق عبده لطاعته التي اكتسبها، حتى استحقّ من ربه الجزاء الذي وعدَه عليها". وبالتقوى يأمن الإنسان إذا خاف الناس، ويسر إذا حزنوا، ويستبشر إذا قنطوا ويئسوا، ويكن له نور من الله وبصيرة يسير بها قال الله - تعالى -: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ") (يونس64). قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: " يخبر - تعالى -أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون، كما فسرهم ربهم، فكل من كان تقياً كان لله ولياً: أنه (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) فيما يستقبلون من أهوال القيامة، (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على ما وراءهم في الدنيا". "تفسير القرآن العظيم" (4/278) بالتقوى تزداد علاقات الإنسان بربه وينال الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة فبادر أخي بعقلك وروحك وقلبك إلى الله. يقول الشاعر: بادر شبابك أن يهرما *** وصحة جسمك أن يسقما وأيام شيبك قبل الممات *** فما دهر من عاش أن يسلما ووقت فراغك بادر به *** ليالي شغلك في بعض ما وقدم فكل امرئ قادم *** على بعض ما كان قد قدما إن أصحاب الكهف فتيه أي شباب، ضرب الله بهم المثل في صلتهم بالله، ووقوفهم علي الحق، إنهم لجأوا إلى الله فزادهم هدى وهداية، ودلهم على الكهف وحفظهم، وفيهم يقول المولى - عز وجل – ( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) [الكهف: 13]. إن الشاب الذي نشأ في عبادة الله تعالى هو في ظل عرش الرحمن يوم القيامة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله..)) الحديث وفيه: ((وشاب نشأ في طاعة الله)).(رواه البخاري) إكرام الله وعنايته بالشاب الطائع متصلة لا تنقطع أبدا بالحفظ والثبات والهداية في الدنيا كما في قصة أصحاب الكهف وبظل العرش يوم القيامة كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-. أمثلة مشرفة لشباب الإسلام 1: علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الشاب البطل قوي الهمة والعزيمة، الذي قتل يوم بدر خمسة عشر رجلاً من صناديد قريش، ومن بطولته وتضحيته أنه نام في فراش النبي - صلى الله عليه وسلم - في أصعب ليلة مرت بها الدعوة، نام في الفراش وهو يعلم علما لا يحتمل الشك أن على الباب رجالاً لا يريدون إلا رأس من في الفراش. وفي غزوة الخندق أيضا قتل عمرو بن عبد وُدّ فارس قريش في يوم الأحزاب (كبش الكتيبة)، فكبر المسلمون لذلك، فلله دره من شاب. 2: أسامة بن زيد - رضي الله عنه - الذي أمّره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جيش لفتح بلاد الشام وهو ابن الثامنة عشرة سنة وفي الجيش أبو بكر وعمر - رضي الله عنهم - وشيوخ الأنصار وكبار المهاجرين أنه الشاب الأبي الذي تحمل المسؤولية وكان كفأ بها. 3: مصعب بن عمير رضي الله عنه فتي قريش المدلل، كان لباسه من الحرير، وشراك نعله من الذهب، كان في مطلع شبابه عندما لبى دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصبر على الأذى وحاولت أمه أن تصده عن الدخول في الإسلام، ولكنه ثبت على الدين الحق، وكان أول المهاجرين إلى المدينة المنورة بتكليف من النبي - صلى الله عليه وسلم - لكي يعلم أهلها الإسلام، وبسببه أسلم عدد كبير من أهل المدينة، وقد استشهد رضي الله عنه - في غزوة أحد بعد أن أبلى بلاء حسناً من أجل إعلاء كلمة رب العالمين، ووقف - صلى الله عليه وسلم - في أعقاب غزوة أحد وعيناه مملوءتان بالدموع، وهو يرى شهداء هذه المعركة، وقرأ هذه الآية الكريمة: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) الـأحزاب. هذا، ونسأل الله الكريم أن يمن علينا بالهداية وأن يجعلنا خير خلف لخير سلف والله تعالى أعلى وأعلم.

بالرغم من أهمية التربية الذاتية إلى أقصى مدى الأهمية، إلا أنها -وحدها- لا تُنشئ كياناً سوياً للإنسان، ولا تصقل شخصيته وتبرز مواهبه، لأن هناك جوانب وقدرات ومواهب في النفس البشرية، لا تنضج ولا تبرز ولا تثبت إلا في داخل جماعة صالحة. كما أن هذه الجماعة ضرورة لعلاج معظم السلبيات التربوية التي تبدو وتظهر على كثير من شباب الإسلام بفعل إفراز أوضاع بعض المجتمعات الإسلامية وبيئتها الثقافية والإعلامية والاجتماعية..، ومعالجة تلك السلبيات تتطلب التربية وسط جماعة صالحة. وهذه الجماعة ينبغي أن تكون واعية جادة قوية تُعنى بمعالي الأمور، ولا تبدد طاقات الشباب وتستهلك قدراتهم وهممهم في أنشطة وفعاليات ليس لها كبير فائدة، وقد يُذهب المداومة عليها حلاوة الإيمان ويضعف جذوته في نفوسهم. وهذه البيئة الصالحة، ينبغي أن يكون من أهم أهدافها، تقويم ما قد يكون في الشخص من انحراف، وتثبيت ما تجد فيه من استقامة، وتشجيعه إذا فتر، والوقوف معه إذا ضعف، كي لا يكون عرضة للانحراف عندما تضغط الظروف والفتن على المشاعر والوجدان، فالإنسان قليل بنفسه، كثير بإخوانه. ومن هنا كانت الحاجة إلى وجود جماعة أو مؤسسة تربوية، يتربى فيها المسلم تربية جادة، إذ لا يمكن للإنسان أن يتربى تربية حقيقية متكاملة إلا في وجود جماعة صالحة. ولأجل هذه المعاني وغيرها، فقد اتخذ - صلى الله عليه وسلم - من دار الأرقم بن أبي الأرقم مكاناً يجتمع فيه مع من آمن من أصحابه - رضي الله عنهم -، لتكون المحضن التربوي لبناء النفس وتربيتها، ثم انطلاقها في المجتمع تُصلح وتبلغ دين الله - تعالى -.. 21/4/1428/هـ http://www.toislam.net/files.asp?order=3&num=2930&per=1386&kkk=

التفاؤل؛ يشحذ الهمم، ويُحرر الطاقات، ويُنير الطرقات، ويُفجر القدرات، ويحفّز للعمل، ويغذي القلب بالطمأنينة والأمل، ولهذا فقد كان - صلى الله عليه وسلم -: "يحب الفأل الحسن ويكره الطيرة" [مسند أحمد رقم: 8043]. وما تمر به أمتنا من الضعف والهوان وتسلط الأعداء، قد يصيب البعض باليأس وفقدان الأمل، إلا أن المسلم لا يستسلم لوساوس اليأس والإحباط مهما اشتدت الخطوب أو تداعت النوازل، بل يتعامل مع صروف الدهر وتقلباته بنفس مطمئنة؛ لأنه يعلم أن هذا الكون لا يقع فيه شيء إلا بقدر الله - تعالى -. وما تمر به أمتنا اليوم من الضعف والهوان، إنما هو مرحلة سبق وأنه مر عليها ما هو أشد منها ضراوة وأعنف شراسة، فقد تعرضت من قبل وعلى امتداد تاريخها الطويل لمحاولات عديدة للقضاء عليها واستئصال شأفتها وإبعادها عن دينها ومصدر عزها، ولكنها في كل مرة كانت تقوم من جديد بعزيمة أقوى وشكيمة أشد، وإليك مصداق ذلك: * قبل وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت الأمة في عز وسؤدد، وقوة ومنعة، وحينما توفي - صلى الله عليه وسلم -، مرت الأمة بأزمة عصيبة، ومرحلة خطيرة، حيث عظم الكرب، واشتدت الحال، وظهر مدّعو النبوة، وامتنع قوم عن أداء الزكاة، واشرأبت اليهودية والنصرانية، وارتد من العرب معظم قبائل بني أسد وغطفان وطيء وبني عبس وبني مرة وذبيان وبني كنانة وكنده ومن يليها ومذحج ومن يليها وربيعة وبنو حنيفة وسُليم وبنو تميم..، حتى إنه لم يبق للجمعة مقام في بلد تُصلى فيه سوى مكة والمدينة، حتى وُجد من المسلمين من بلغ به اليأس أن قال لأبي بكر -رضي الله عنه-: "إن هؤلاء جُل المسلمين والعرب على ما ترى قد انتقصت بك، وليس ينـبغي لك أن تُفرّق عنك جماعة المسلمين" (2). في ظل تلك الأوضاع، واليأس قد بلغ منتهاه، من كان يظن أن تقوم للمسلمين قائمة مرة أخرى؟! لكن أبا بكر -رضي الله عنه-لم يعتره اليأس، ولم يتملكه القنوط..وإنما واجه هذه الأحداث، وهذه البلبلة، وهذه النكبات، بإيمان راسخ، وعزيمة ثابتة، وتفاؤل عظيم، حتى ثبت وحارب مدعي النبوة والمرتدين من العرب فانتصر عليهم، فعز المسلمون وذل الكفار، وأعاد أبو بكر للمسلمين قوتهم، وللخلافة هيبتها، ولليائسين تفاؤلهم. * وفي أوائل القرن الرابع الهجري، من كان يظن أن تقوم للإسلام قائمة، حينما قام القرامطة في عام 317 هـ في استباحة مكة يوم التروية؟ حيث "انتهبوا أموال الحجاج وقتلوا في رحابها وشعابها وفي المسجد الحرام بل وفي جوف الكعبة خلقاً كثيراً، وجلس أمـيرهم أبو طاهر لعنه الله على باب الكعبة، والرجال تُصرع من حوله، والسيوف تعمل في الناس في المسجد الحرام وفي الشهر الحرام وفي يوم التروية، الذي هو من أشرف الأيام، وهو يقول: أنا الله وبالله أنا، أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا.. ثم أمر بأن يُقلع الحجر الأسود وقال: أين الطير الأبابيل، أين الحجارة من سجيل؟، ثم قلع الحجر الأسود وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم، فمكث عندهم اثنتين وعشرين سنة.. " (3). وتأمل.. أي ذلة ومهانة كانت تعصف بالمسلمين في ذلك الوقت. الحجر الأسود يُقتلع من مكانه الطاهر، ويُحمل إلى بلد القرامطة ويمـضي عندهم اثنتين وعشرين عاماً قبل أن يعيدوه بأنفسهم، والأمة الإسلامية كلها لا تستطيع أن تجتمع لاسترداد حجرها الأسود. وبعد هذه الحادثة المأساوية، التي لم ولن تتكرر في تاريخ الإسلام والمسلمين بإذن الله - تعالى -، قل لي بربك هل من مجال للمقارنة بين ما مر على المسلمين في ذلك العصر من الضعف والذل والمهانة، وما نمر به في هذا الوقت؟!. ومع ذلك فقد عاد المسلمون مرة أخرى، ونهضوا من كبوتهم وصحوا من غفوتهم، وواصلوا مسيرتهم وفتوحاتهم، وعادوا كأقوى ما يكونون. * وفي أواخر القرن الخامس الهجري، من كان يظن أن تقوم للمسلمين قائمة لما تدفقت الجيوش الصليبية من أوربا بأسرها على الخلافة الإسلامية، في تسع حملات صليبية شرسة، فقتلوا وطمسوا معالم الحضارة واستعملوا جميع مظاهر الاضطهاد والعنف، واستولوا على كثير من البلاد الإسلامية، وأُغلق المسجد الأقصى ولم تُقـم فيه جمعة ولا جماعة، ووضعت الصلبان فوقه ما يقارب (قرناً) من الزمان، حتى ظن كثير من المسلمين في ذلك الوقت، ألا أمل في انتصار المسلمين على الصليبيّن، وألا رجاء في استرداد أرض فلسطين مع المسجد الأقصى إلى حوزة المسلمين، ولاسيّما بعد أن فتكوا في الأنفس، وذبحوا من المسلمين في يوم واحد أكثر من سبعين ألفاً، حتى إن الدماء سالت أنهـاراً في شوارع القدس وطرقها (4). في ظل هذه الظروف، من كان يظن أن هـذه البلاد ستتحرر في يوم مّـا، على يد البطل صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين الحاسمة، ويصبح للمسلمين من العزة والقوة والسيادة ما شرّف التاريخ الإنساني.. بينما يصاب كثير من المسلمين اليوم باليأس والقنوط وفقد الأمل بالكلية من مجرد التفكير في إمكانية استرداد المسجد الأقصى مرة أخرى رغم أنه لم يمض على احتلاله سوى سنين. وإذا كان المسلمون في ذلك الوقت -وحالهم كانت أشد مرارة من حالنا- قد نهضوا بعد تلك الكبوة. فالأمة اليوم قادرة بعون الله - تعالى -ثم بالجهود المنتظرة من أهل الصلاح والإصلاح، أن تعود مرة أخرى، وإرهاصات ذلك تبدو في الأفق واضحة جلية بعون الله - تعالى -. ___________ (1) في ظلال القرآن 1/518. (2) انظر: البداية والنهاية 4/ 308، وأيضاً 4/316-318. (3) البداية والنهاية، ابن كثير 11/171. (4) انظر: التاريخ الإسلامي، محمود شاكر 6/255. 11/6/1428هـ http://www.toislam.net/files.asp?order=3&num=2975&per=1386&kkk=

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

فوائد من كتاب ثلاثون سببا للسعادة لعائض القرنى

صيد الفوائد

فرسان السنة