(التيموس )الإعجاز العلمي
ندوات إذاعية - إذاعة دار الفتوى - الإعجاز العلمي - الحلقة 06 - 30 : التيموس. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2003-10-31 بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة : المذيع : اللهم رب البيت العتيق أعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا من النار ، يا ذا الجود والكرم ، والفضل والمنِّ والعطاء . أخوة الإيمان والإسلام ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، حلقة جديدة من برنامج : "الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة" ، معنا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ محاضر في كلية التربية بجامعة دمشق ، خطيب ومدرس ديني في جوامع دمشق ، أهلاً وسهلاً بكم . كما ذكرتم فضيلة الدكتور في كتابكم ، الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى ، فيمكن أن تلمس من خلال الكون أسماء الله الحسنى وقدرته وعلمه ورحمته وعدالته ، لذلك فإن القرآن طافح بالآيات التي تدعو إلى التفكر في خلق السموات والأرض ، ما دمنا بدأنا الحديث عن الإنسان ، فسنبدأ بالحديث عن أعضائه ، التيموس ذكرتموها في كتابكم ، فما هي ؟ وما هي وظيفتها ؟ وظيفة التيموس : الدكتور راتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين . أستاذ عبد الحليم ، جزاكم الله خيراً ، بادئ ذي بدء لا بد من ذكر آيتين ، الآية الأولى : ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ [سورة الإسراء: 85] والآية الثانية : ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ [ سورة البقرة : 255 ] إنها غدة صغيرة جداً إلى جانب القلب ، أجمع الأطباء والعلماء لقرون عدة أن هذه الغدة لا فائدة لها إطلاقاً ، ولا وظيفة لها إلى سنوات لا تزيد على عشر ، ثم اكتشف أن هذه الغدة أخطر غدة في جسم الإنسان ، هذا الظن المتوهم ، وهذه الحقيقة الناصعة تؤكد أن الإنسان لا يعلم إلا أن يعلِّمه الله : ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ [سورة الإسراء: 85] لماذا قال الأطباء : إن هذه الغدة لا وظيفة لها ولا فائدة منها ؟ لأنها تضمر تماماً بعد سنتين ، وكأنها لم تكن ، هذا الضمور بعد سنتين من الولادة ، وكأنها لم تكن ، هذا الضمور القريب من الولادة أوهم العلماء أنه لا فائدة منها إطلاقاً ، ثم اكتشف أنها- وأنا أعني ما أقول - أخطر غدة في جسم الإنسان ، ذلك أن جهاز المناعة المكتسب الذي تحدثنا عنه بفضل الله في حلقة سابقة فيه خمس فرق ، فيه فرقة الاستطلاع ، وفرقة المقاتلين ، وفرقة تصنيع السلاح ، وفرقة الخدمات والمغاوير . يعنينا من هذا الموضوع السابق الفرقة الثانية ، فرقة المقاتلين ، إنها كريات بيضاء تحمل سلاحًا خطيرًا ، ولكن تقاتل به من ؟ سماها العلماء قبل أن تدخل هذه المدرسة الحربية الغدة الصعترية ، التيموس ، خلايا تائية همجية ، إنسان جاهل معه سلاح قد يقتل أولاده ، فهذه الكريات البيضاء المقاتلة الفرقة الثانية من جهاز المناعة المكتسب تدخل إلى هذه المرحلة الحربية ، وتقبع فيه سنتين ، تتعلم من هو الصديق ، ومن هو العدو ، ففي صورة مجهرية من مجهر إلكتروني يكبر ألوف المرات صورت هذه الغدة فإذا بها مدرج كالمدرج الروماني تماماً ، وهذه الكريات البيضاء الخلايا التائية الهمجية جالسة في مقاعد تستمع بطريقة أو أخرى إلى دروس تتعلم بها من هو الصديق ، ومن هو العدو ، خلية معها سلاح خطير تقاتل من ؟ من هو العدو ؟ هناك آلاف العناصر الصديقة البروتينات ، والمواد المرممة هي مواد صديقة للإنسان ، وهناك آلاف العناصر العدوة ، فلابد من أن تتعلم هذه الخلايا - هذه الكريات البيضاء - من هو الصديق ومن هو العدو ، طريقة التعلم لا تزال مجهولة ، لكن الطفل في هاتين السنتين يضع كل شيء في فمه للتعرف على المحيط ، ويأخذ من مناعة الأم فيتعلم من تجاربه ومن أمراض أصيب بها ، مجموع هذه النشاطات تشكل معلومات حول الصديق والعدو . لكن كما تعلمون ليس هناك مدرسة على الإطلاق إلا وفيها امتحان ، كيف تمتحن هذه الخلايا التي تلقت العلم سنتين ؟ هناك لهذه الغدة مخرجان امتحانيان ، في المخرج الأول تعطى الكرية البيضاء الخلية التائية التي أصبحت مثقفة ، كانت همجية فأصبحت مثقفة ، تعطى عنصرًا عدواً ، فإن قتلته نجحت ، وإن لم تقتله رسبت ، ورسوبها يعني قتلها ، ثم تعطى امتحانًا آخر ، تعطى عنصرًا صديقًا ، فإن قتلته رسبت ، وتقتل ، وإن لم تقتله نجحت وتنطلق ، فبعد عامين تتخرج هذه الخلايا التائية التي كان اسمها همجية ، فأصبح اسمها بعد الدراسة والثقافة الخلايا التائية المثقفة ، تتخرج ، وقد عرفت من خلال هذه الدورة التي استغرقت سنتين من هو الصديق ، ومن هو العدو . المذيع : سبحان الله ! خلال هاتين السنتين كما ذكرتم يأخذ الطفل مناعة الأم ، حتى لا يبقى من دون مناعة ، ولكن هذه الدورة التدريبية ، وكأننا في مدرسة فعلاً ، وبعد ذلك يصبح هناك خلايا مقاتلة كما ذكرتم . ضمور غدة التيموس بعد سنتين فقط : الدكتور راتب : لماذا تضمر ؟ نظام هذه الكليّة أن المتخرجين يوكل إليهم أمر تعليم الأجيال الصاعدة إلى نهاية الحياة ، فهؤلاء الخرّيجون هم الأساتذة ، يعلّمون بقية الخلايا ، وبقية الكرية البيضاء إلى نهاية الحياة ، فعندئذ تنتهي مهمة المدرسة ، فتغلق أبوابها ، وتضمر ، وضمورها سبب الأوهام الذي قالوا : إنها بلا فائدة ، ولا وظيفة لها . ما الذي يحصل بعد الخمسين عامًا ؟ يضعف التعليم ، وهذا يجري عند المدرّسين بعد سنٍّ معينة ، يعطي درساً مختصراً بلا تفاصيل ، بلا أدلة ، فيبدو أن هذه الكريات البيضاء الجيل الأول الذي أوكل إليه تعليم الأجيال اللاحقة ، أو لعل كل جيل يعلم جيلا آخر ، هذا في علم الله عز وجل ، في سنّ معينة يضعف التعليم ، فيصاب هذا الجهاز بما يسمى بالخرف المناعي ، وهو كالحرب الأهلية في البلاد ، هذه العناصر المقاتلة ، ومعها سلاح ، بدل أن تقاتل الأعداء تقاتل الأصدقاء ، هناك سبعة أمراض يسببها الخرف المناعي ، كالتهاب المفاصل الرثوي ، هذه حرب أهلية ، الكريات البيضاء تهاجم العناصر الصديقة ، ثم يموت الإنسان ، على كل هذه الغدة التي لم يهتم بها ، ولم يلتفت إليها كانت في ظن علماء كبار أنها لا فائدة منها ، ولا وظيفة لها ، فإذا هي أخطر غدة في الإنسان ، لأنه لولا هذه الغدة لمات الإنسان منذ زمن طويل . البارحة كنت أتابع موضوعًا علميًّا ، فقيل : إن المشيمة تقوم بعمل جبار ، لو أوكل إلى أكبر عالم في الطب لمات الجنين في ساعة . المذيع : فضيلة الدكتور ، كما ذكرتم لنا الغدة الصعترية أو التيموس التي هي مثقفة ومعلمة للجهاز المناعي والكريات البيضاء ، وذكرتم أيضاً في كتابكم الغدة النخامية ، عادة ما نسمع باسمها ، ولكن لا نعلم ما هي وظيفتها ؟ الغدة النخامية ملكة الغدد : الدكتور راتب : الغدة النخامية هي ملكة الغدد ، إنها تهيمن على كل الغدد الصماء في الجسم ، كيف أن النظام العصبي له ملك ، هو الدماغ ، وأن أوامره كهربائية ، كذلك النظام الهرموني في الإنسان ، نظام بالغ التعقيد ، ودقيق جداً ، على رأسه ملكة هي الغدة النخامية . الغدة النخامية لا يزيد وزنها على نصف غرام ، تفرز عشرة هرمونات ، لو أن واحداً تعطل إفرازه لأصبحت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق ، أضرب مثلاً : لو أن إنسانًا يمشي في بستان ، ورأى أفعى ، طبعاً ما الذي حصل ؟ صورة هذه الأفعى انطبعت على شبكية العين، إحساس ضوئي ، هذه الصورة تنقل للدماغ ، الدماغ فيه إدراكات ومفهومات ، هذا الطفل سمع بعض القصص من جدته ، رأى عند صديقه أفعى في وعاء ، قرأ في كتاب العلوم عن الأفعى ، وسم الأفعى ، فمن مجموع قراءاته ومشاهداته وخبراته ينشأ في دماغه مفهوم الأفعى ، فإذا قيل له : أفعى ، أو رآها أثير فيه هذا المفهوم ، ويخاف عندها . يوجد تعليق لطيف جداً : الإنسان تعامله مع المحيط الخارجي وفق القانون التالي ، إدراك ، انفعال ، سلوك ، أنت حينما ترى أفعى تدرك أن لدغتها قاتلة ، لا بد من أن تنفعل ، والانفعال لا بد من أن يعقبه سلوك ، إما أن تقتلها ، وإما أن تهرب منها ، فإذا أدركنا ، ولم ننفعل ففي إدراكنا خلل ، فإذا انفعلنا ، ولم نتحرك ففي انفعالنا كذب ، قد يكون الإدراك غير صحيح . مثلاً لو أن واحداً قال لآخر : على كتفك عقرب ، فبقي هذا الذي تلقى هذا الخبر هادئاً مبتسماً ، والتفت نحوه ، وقال : أشكرك من أعماق قلبي على هذه النصيحة الثمينة، وسأكافئك ، وأرجو الله أن يمكنني أن أكافئك عليها ، معنى ذلك أنه ما سمع ما قيل له ، لو سمع كلمة عقرب لخرج من جلده قبل أن يلتفت نحوه ويشكره ، فأنت حينما تدرك ولا تنفعل فإنّ في الإدراك خللاً ، وحينما تنفعل ولا تتحرك ففي الانفعال خلل ، فهو انفعال كاذب ونفاق . فلذلك علامة فهمنا للدين طريقة تطبيق تعليمات الصانع ، المبادرة لتطبيق تعليمات الصانع . نعود إلى المثل : هذا عندما رأى أفعى انطبعت صورتها على شبكية العين إحساساً ، وانطلقت للدماغ إدراكاً ، الدماغ ملِك ، عنده معلومة خطيرة ، أن هناك خطرًا ينتظر صاحبه ، مكافحة هذا الخطر من مهمة ملكة الغدد النخامية ، ما دام الدماغ ملكاً ، والغدة ملكة فلا بد لها من ضابط ارتباط ، فهناك جسم في الدماغ اسمه تحت السرير البصري ، هذا ضابط الارتباط بين ملكة الغدد وملك الجهاز العصبي ، فالدماغ عن طريق هذا الضابط يخبر الملكة أن هناك خطراً فتصرَّفي .

Commentaires
Enregistrer un commentaire