الجريمة الدنماركية مبادئ وتداعيات

Change CSS Properties- element opacity of HTML element- transparent

الخطبة الأولى: إن الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم للناس أجمعين. فإن الله سبحانه وتعالى قد أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم للعالمين مبشراً ونذيراً، وجعله عز وجل خاتم النبيين، وجعل رسالته لعموم الناس من الجن والإنس، فأرسل نوحاً إلى قومه، وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداًسورة الأعراف 65.وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًاسورة الأعراف 73. وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِسورة الأعراف 80. وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًاسورة الأعراف 85. فأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال الله: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًاسورة الأعراف 158. وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِسورة سبأ 28. وأخذ الله العهد على جميع الأنبياء إذا جاء محمد صلى الله عليه وسلم وهم أحياء أنهم سيكونون معه من جنده، وأنهم سيتبعوه وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَسورة آل عمران 81. قال علي رضي الله عنه: "ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا أخذ عليه ميثاقاً لئن بعث الله محمداً وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه" وهكذا أرسله الله رحمة للعالمين، وجعله سبحانه خاتم النبيين والمرسلين، فلا نبي بعده وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَسورة الأحزاب 40. وجعله عليه الصلاة والسلام أمنةً لأمته وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْسورة الأنفال 33. وقد أخذ الله أمم الأنبياء، والأنبياء أحياء، ولكن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم يستأصلها الله بعذاب وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْسورة الأنفال 33. فهذه من كرامة نبينا في هذه الأمة، ولم يقسم الله بنبي غيره لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَسورة الحجر 72. فهذا يدل على شرف حياته وعمره، وعلى نفاسته، والله يقسم بما شاء من مخلوقاته، وخاطبه الله بالنبوة وبالرسالة، وخاطب النبيين بأسمائهم يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِسورة الأعراف 144. يَا إِبْرَاهِيمُسورة هود 76. يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَسورة المائدة 110.أما نبينا عليه الصلاة والسلام فلم يأت في القرآن بندائه باسمه يا محمد ولكن جاء يَا أَيُّهَا الرَّسُولُسورة المائدة 41. و يَا أَيُّهَا النَّبِيُّسورة الأنفال 64. فزاده تشريفاً وتكريماً، وناداه بوصفه وبلقبه، وهكذا جعله الله مكرماً في النداء معظماً لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًاسورة النــور 63. ووصفه بالعبودية وهي أسمى المراتب وأشرفها كذلك، فقال عز وجل: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِسورة الإسراء 1. وكذلك فإنه تعالى قال في كتابه العزيز لهذه الأمة: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِسورة الفتح 29. فبيّن من هو. من خصائص ومعجزات النبي عليه الصلاة والسلام. وخصه بجوامع الكلم، فقال: (بعثت بجوامع الكلم). وقال: (ونصرت بالرعب). فنصره الله بالرعب مسيرة شهر، وجعل له مفاتيح خزائن الأرض، أوتي مفاتيح الخزائن، وهكذا سيطرت أمته على شرق الأرض وغربها، وغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وحفظ كتابه، بينما ذهبت معجزات الأنبياء وبقيت معجزة نبينا إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَسورة الحجر 9. ولما كلم الله موسى في الطور كلم محمداً صلى الله عليه وسلم فوق سبع سماوات، عند سدرة المنتهى، وهكذا كان عليه الصلاة والسلام مكرماً عند ربه، وجعل له من المزايا والخصائص ما لم يجعلها لنبي غيره، وهو أول من تنشق عنه الأرض، وأكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأول من يأتي الحوض، وأول من يعبر الصراط، وأول من يقرع باب الجنة، وأول الناس يشفع في أهل الجنة، وكذلك آتاه الله الوسيلة، وهي الدرجة العظيمة التي لا تنبغي إلا له، وهي منزله في الجنة عليه الصلاة والسلام (آت محمد الوسيلة وابعثه مقاماً محموداً). فهو المشفع في جميع الخلق ليقضى بينهم عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًاسورة الإسراء 79. فيحمده الأولون والآخرون على شفاعته يوم الدين، ليبدأ فصل القضاء بين العباد حتى الكفار يحمدونه ويثنون عليه حينئذ؛ لأنه سبب انفكاك ذلك الموقف، الذي غرق الناس فيه في العرق إلا من شاء الله، وهذا النبي الأمي الذي جعله الله رحمة لقومه فقادوا العالم بسببه، وجعله الله عز وجل فوق الخلق جميعاً، فلو وزنت أعمال الأمة بأعماله لرجحت أعماله عليه الصلاة والسلام، وهكذا لأنه سبب كل خير وصل إلى أي فرد من أفراد الأمة، ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، وكذلك فإنه لا ينبغي أن تكون له خائنة الأعين، ولا الإشارات الخفية، ولا يتراجع عن قرار الحرب، ولا يعرف القراءة والكتابة، ولا يقول الشعر إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَسورة العنكبوت 48. وهكذا أبيح له الوصال في الصوم، والتزوج بلا ولي ولا شهود، وأن يجمع بين أكثر من أربع نسوة، ولا يجوز له أن يمسك امرأة لا تريده، وأحلت له مكة ساعة من نهار، وكان يرى من خلفه وهو يصلي، ولا يورث، وما تركه صدقة في بيت مال المسلمين، وكل دعوة دعاها على شخص لا يستحقها تنقلب رحمة وبركة عليه، جعل الله له المعجزات العظيمة، وزوى له الأرض فرأى مشارقها ومغاربها، ولما سأله المشركون أن يريهم آية أراهم انشقاق القمر فصار فرقتين اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُسورة القمر 1. والبدر شق وأشرقت شمس *** الضحى بعد الغروب وما بها نقصان وفضيلة شهد الأنام بحقها *** لا يستطيع جحودها إنسان وكان يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر حن إليه الجذع كحنين الصبي إلى أمة، فلم يهدأ حتى نزل فسكّنه عليه الصلاة والسلام، ونبع الماء من بين أصابعه من بين لحم وعصب، فتوضأ منه الصحابة وكانوا أكثر من ثلاثمائة، وسبح الحصى في كفه، وكانوا يستمعون تسبيح الطعام وهو يُؤكل بين يديه، وسلم عليه الحجر والشجر، ونادى الشجرتين فالتأمتا عليه بإذن الله، وكلمه الذراع المسمومة وذراع شاة الخيبرية أصبحت *** بالسم تخبره بلا أكنان وأخبر أنه يَقتل أُبي بن خلف الجمحي يوم أحد، فخدشه خدشاً يسيراً فمات منه في طريق عودته، وأخبر بمصارع المشركين في بدر فلم يتعد واحد منهم المكان الذي حدده عليه الصلاة والسلام لمقتله، وأخبر أن طوائف من أمته يغزون في البحر، ومنهم أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها، فكان كما أخبر، وقال عن الحسن بن علي حفيده: (إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين). فكان كذلك، وأخبر بمقتل الأسود العنسي الكذاب، فأخبر بمن قتله، وبليلة قتله، وهو في صنعاء اليمن، وأخبر بمقتل كسرى فكان كما قال، وأصيبت رجل عبد الله بن عتيك فمسحها فبرأت، وأصيبت عين قتادة فمسحها فصارت أحسن من الأخرى، وقال لثابت بن قيس: (تعيش حميداً وتقتل شهيداً). فعاش حميداً، وقتل يوم اليمامة شهيداً، وهكذا دعا لعلي رضي الله عنه: أن يُذهب الله عنه الحر والبرد، فكان لا يجد حراً ولا برداً، ويلبس ملابس الشتاء في الصيف، وملابس الصيف في الشتاء كما ثبت ذلك، ودعا لعبد الله بن عباس أن يفقهه الله في الدين، وأن يعلمه التفسير، فكان يسمى البحر لكثرة علمه وكذا ابن عباس أعد طهوره *** فدعا له بالعلم والتبيان فحوى العلوم وكان طوراً *** راسخاً فيها وأمعن غاية الإمعان ودعا لأنس بن مالك بطول العمر، وكثرة المال والولد، وأن يبارك الله له فيه، فولد له مائة وعشرون ذكراً من صلبه، وكانت نخله تحمل في السنة مرتين، وعاش مائة وعشرين سنة أو نحوها رضي الله عنه. وكان عتيبة بن أبي لهب قد شق قميصه عليه السلام وآذاه، فدعا الله عليه أن يسلط عليه كلباً من كلابه، فذهب مع أبيه مع نفر من قريش إلى الشام، فلما نزلوا بالزرقاء من أرض الشام، أحاط أبوه ابنه بنفر من الرجال ومتاع القوم، فجاء أسد سبع وهم نيام فشمهم حتى بلغ الولد فهشمه، وقتله الله عز وجل. وشكى الأعرابي القحط إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو فوق المنبر وما في السماء سحابة، فدعا الله عز وجل فسقوا أسبوعاً إلى الجمعة الأخرى حتى شكي إليه كثرة المطر، فدعا الله فأقلعت وخرجوا يمشون في الشمس وشكى إليه وهو فوق المنبر *** لميمون شاكٍ ظاهر البابان يشكو البلاد وقحطها فدعا *** فيا غيث السماء هلم بالهطلان وأقام سبعاً لا يريم فجاءه *** شاكٍ يخاف تهدم الحيطان فدعا فأحدق بالمدينة صحوها *** بل عن سواها الغيث ليس بوان فأقام شهراً لا يمر مسافر *** لا بوادٍ مفعم البطنان وأطعم عليه الصلاة والسلام أهل الخندق وهم ألف من صاع شعير أو دونه، وبهيمة، فشبعوا وانصرفوا والطعام أكثر مما كان، وشهد الذئب بنبوته، وأخبر راعي الغنم عن مكانه عليه الصلاة والسلام فجاء فأسلم، وشكى البعير إليه مشقة صاحبه عليه، وتبعه سراقة بن جعشم يريد قتله، أو أسره، فدعا عليه فساخت يدا الفرس حتى بلغت الركبتين، حتى نادى سراقة بالأمان وطلبه، وكذا ذهب عليه الصلاة والسلام مع الجن فدعاهم، وعلمهم، ونصحهم، ولما جاءه إبليس بشهاب من نار ليجعله في وجهه، قال عليه الصلاة والسلام فجأة وهو في صلاته: (أعوذ بالله منك) ثلاثاً (ألعنك بلعنة الله التامة) ثلاثاً ثم أخذه حتى شعر ببرد لسانه على يده، فخنق النبي عليه الصلاة والسلام إبليس خنقاً شديداً، ولولا دعوة سليمان عليه السلام لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة.. وخصه الله بالقرآن معجزة *** ما نالها مرسل قد جاء بالدين وتحدى الله بهذا النبي، وبهذا الكتاب، تحدى الله بالقرآن الذي أنزله على هذا النبي، تحدى المشركين فلم يأتوا بمثله جاء النبيون بالآيات فانصرمت *** وجئتنا بحكيم غير منصرم وهو عليه الصلاة والسلام قد أوتي من المعجزات، وأوتي من التأييد الإلهي من الله عز وجل. عباد الله: هذا النبي الكريم، هذا النبي الذي كان رحمة للعالمين، ولا زالت رسالته، وكتابه، ودينه، لا زالت في الناس تسري وتنتشر، ولا زال أكثر الأديان انتشاراً دينه، ولا يوجد ما يقاوم هذا الدين من منهج آخر، ولا يدانيه فضلاً عن أن يماثله أو يزيد عليه، بل كان هذا الدين حتى في وقت قوة الكفار هو المهيمن بالحجة، وهو المنتصر بما حواه من المعجزات العظيمة، إعجاز التشريع، وإعجاز الفصاحة والبيان، وإعجاز الإخبار بالغيب المحقق، وهكذا فلا يستطيع أحد عليه ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لم يستطيعوا ذلك. الطعن في النبي عليه الصلاة والسلام والنيل منه والاستهزاء والسخرية به. يا عباد الله: يأتي هؤلاء الذين يريدون النيل من النبي عليه الصلاة والسلام، والطعن فيه في هذا الوقت، ليكتبوا ما يكتبوا، ويتكلموا بما يتكلموا، ويرسموا ما يرسموا، وهو نبينا عليه الصلاة والسلام، حاجة الناس إليه حتى هؤلاء الكفرة شديدة جداً، فإن حاجة البشرية إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من حاجتهم إلى الطعام، والشراب، والنفس؛ لأنه يبشرهم بالجنان، وينذرهم من النيران. قال شيخ الإسلام رحمه الله: "والرسالة ضرورة للعباد لا بد لهم منها، وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء، والرسالة روح العالم، ونوره، وحياته، فأي صلاح للعالم إذا عدم الروح، والحياة، والنور، والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة، وكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة، ويناله من حياتها، وروحها، فهو في ظلمة إذا لم يؤت ذلك، وهو من الأموات، قال الله تعالى: أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَاسورة الأنعام 122. وأما الكافر فميت القلب في الظلمات". لقد كان فضل الله على نبينا عظيماً وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَاسورة الشورى 52. وهكذا يا عباد الله مع حاجة البشرية إليه، يقوم هؤلاء بالطعن فيه، قاتلهم الله، وينشرون هذه السخرية والاستهزاء، ثم من إتمام المؤامرة واستنصار بعضهم لبعض، وقيام الكفرة بنصرة إخوانهم عباد الصليب، ينشرون تلك الصور في جرائد دول مختلفة، بزعمهم لكسر مقاطعة المسلمين التي آلمتهم، فخافوا منها أشد الخوف فصاروا مذعورين، واجتمعوا اجتماعات كثيرة لدراسة هذه الظاهرة، ولم حدث ذلك؟ وكيفية المواجهة، واحتشدت الدول لأجلها، وهذا في الحقيقة كرامة عظيمة لمحمد صلى الله عليه وسلم، فلا يزال العالم مندهشاً لماذا حصل كل هذا؟ احتجاجات، استنكارات، تظاهرات، استدعاء سفراء، وإغلاق سفارات، وهكذا خطب ومؤتمرات تبيّن، وإهانة رموز دول الكفر، والامتناع عن استقبال موفديهم، ومقاطعة بضائع تلك الدولة الآثمة التي وقف قادتها بجانب جريدتها دفاعاً عن حرية الرأي بزعمهم، وأمطرت بالرسائل الإنكارية المختلفة، ورقية، وإلكترونية، ورسائل الجوال تسري بين المسلمين، وروح عجيبة اتقدت، وهكذا يطلب من بعض آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقيموا دعوى التشهير، والإيذاء على جدهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ويوكّل محامون، وتقاطع شركات أغذية، وشركات الصيدلة، وأنواع من هذه الشركات في طول العالم الإسلامي وعرضه، حتى وقع الشقاق بين الدانمركيين أنفسهم، وثار بعضهم على بعض، وتعالت الاتهامات، وتواقحوا في أول الأمر، وقال رئيسهم: لا أقدر ولا أرغب في الاعتذار، ثم جعلوا يستأجرون القنوات العربية ليوهموا الناس أنهم قد اعتذروا، وتعرض الإعلانات أنهم قد اعتذروا، وفي الحقيقة أن إصلاح القضية شبه محال، وأننا لا نمكن أن نرضى بمثل هذه الادعاءات الفارغة، عندما تعتذر الجريدة ثم يسحب الاعتذار بعد نصف ساعة من موقعها، ويخطط لاعتذار، أو ثناء على الاعتذار في هذا الوقت من قبل رئيسهم، وفي إذاعة أخرى يقول: إنه لا يعتذر، وإنما يتألم للإهانة، سبحان الله، كبر الاعتذار عليهم. ولا زالت شركاتهم تضغط على حكوماتهم ويقولون في تقاريرهم: نحن نغيب عن كل المخازن في الإمارات، في الكويت، في قطر، بعد بلاد الحرمين، وهكذا صرنا خارجها في اليمن، وقرر موزعونا إبقاء موظفيهم في بيوتهم، والحالة حرجة في مصر، وفي الجزائر كذلك، حتى في لبنان، وحتى الجاليات الإسلامية في الخارج، كان لهم دور، وهكذا في شركة واحدة يفقدون عشرة ملايين كرونة يومياً، وأغلق مصنع، وستغلق مصانع، وسرح موظفون، وسيسرح آخرون، وتنال هذه القضية، تمس دخل تلك البلاد؛ لأنها تقوم على ضرائب من الشركات، والشركات تضغط على الجريدة، وعلى تلك الحكومة، ويقع التلاوم، والتقريع المتبادل، واللغط الداخلي بين الدانمركيين أنفسهم، وتتعاظم القضية مثل كرة الثلج، حتى يخرج ذلك المحرر في الجريدة ليقول: أقول بكل مرارة لقد انتصروا، أي: المسلمون، مما رآه من الضغوط، وقال: إن محمداً لن ترسمه الأجيال القادمة في الدانمرك، لماذا؟ من عظم الدرس الذي تلقنوه، والشدة التي وقعت عليهم، والخسائر فادحة، والقضية ستؤدي إلى ركود وبطالة، وتأثر الدخل القومي، وبالتالي رواتب الناس. عباد الله: القوم بعد الغطرسة يلتمسون الاعتذارات، ويحاولون بتنسيق حملات مضادة، استيعاب القضية، وشهد من الكفار أنفسهم كصحيفة الإكنوميست أن الإساءة كانت وقحة، واستنكر بعض شخصيات الكفر أنفسهم هذه الحماقات، وفعلاً إنها حماقات، لماذا؟ لأن المسلمين بحسب المخطط ينبغي أن يكونوا تحت الشهوات، وفي أوحال الرذيلة، لاهين بالأغاني والألعاب، وشبابهم بالأستار أكاديمي، فتأتي هذه القضية في هذا الوقت، لكي تنقض ما بنوه، اقتصادياً، أو إعلامياً، أو هيمنة، وسلطة، فقال ممثل شركتهم: لقد انهدم في خمسة أيام ما بنيناه في أربعين عاماً وبكل بساطة. عباد الله: هذه صحفهم تصدر وفيها عناوين باللغة العربية، هذه صحفهم تصدر وفيها الأرفف الفارغة مصورة، وإعلانات المقاطعة واضحة، وصور سيارات في بلاد المسلمين وعليها شعار تلك المقاطعة، لقد دخل الرعب في أوروبا بهذه القضية، حاولوا الاعتذار بشتى الوسائل، وقالوا من غبائهم، وجهلهم، وإسفافهم، وكفرهم: لقد استهزأنا بعيسى في رسوماتنا الكاركاتيرية، وصوروناه مصلوباً وبيده زجاجات خمر، فنقول: سبحان الله، وهل هذا الذي يقنع المسلمين أنكم استهزأتم بأنبياء آخرين؟ إنه يزيد القضية، إنه يزيدنا غيظاً عليكم، وكراهية لكم، ولتصرفاتكم، وكفركم بأنبياء الله، فأنتم تريدون أن تقولوا: إنه يجوز عندكم باسم حرية الرأي أن يُستهزأ بعيسى أيضاً، وعيسى نبي عظيم من أولي العزم من الرسل، وهو صاحب نبينا عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لقيه وآمن به، وسينزل قبل يوم القيامة ويحكم بشريعته، ثم يموت على دين الإسلام، فينطبق على عيسى عليه السلام تعريف الصحابي، بالإضافة إلى أنه نبي الله من أولي العزم من الرسل الذي أنزل الله عليه الإنجيل. عباد الله: كانت محاولات من القوم لعدم الإذعان، لقد اشتطوا في القضية وعاندوا كثيراً، بل إن بعض شركاتهم قد أعلنت أنها ستصنع قمصاناً توضع عليها هذه الرسومات القبيحة لتباع على الناس، وتنشر، ويدعم بريعها مسار حرية الرأي والتعبير في بلادهم، حاول الاتحاد الأوروبي أن يدعم هؤلاء القوم، ونقابة المزارعين لتخفف الوطأة، ثم خرجوا بأن هذه القضية لا بد أن تكسر وهي المقاطعة، وخافوا أن تقاطع بعد ذلك دول ويتفرد المسلمون بواحدة بعد الأخرى، فنشروا تلك الرسومات في جرائد أخرى، في أنحاء أوروبا، ولكن الله عز وجل مظهر دينه، ومعلٍ كلمته، وناصر رسوله عليه الصلاة والسلام إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَسورة الحجر 95. وكشف الله بهذه الأحداث المنافقين في هذه الأمة، الذين قالوا: هذه حركة عاطفية غير حضارية، والذين قالوا: إن هذه حركة مؤقتة، وإنها لن تؤثر، وقالوا: إنها حركات يائسة، وقالوا، وقالوا، فظهر موالاة المنافقين من بيننا للكفرة في بلادهم، وهكذا كل من سخر من تحركات المسلمين، وهكذا الذين قالوا: إنه لا يمكن للمسلمين أن ينتصروا عليهم. عباد الله: القوم تحت الوطأة يريدون الشكوى إلى أي مكان، إلى منظمة التجارة العالمية، إلى الإتحاد الأوروبي، إلى أي مكان، ولكن إنه شأن المسلمين الداخلي، شأن الأمة في داخلها، وهي تقارع القوم، ومن ذا الذي سيجبر المسلم على أن يشتري من هذه البضاعة أو من تلك، وإن في المسلمين من الوعي إن شاء الله ما سيجعلهم ينتبهون لمحاولات تشتيت هذه المقاطعة، ويشتكي المسلمون نعم من عدم وجود من ينظم مثل هذه الحركات لمقاومة الأعداء، حركات عفوية، ولكنها مؤثرة جداً، فكيف إذا كانت نتيجة وعي، ودراسة مسبقة، وقيادة موحدة، لقد كشفت القضية أن في المسلمين قوة عظيمة، وأنهم يرهبون الكفار بمجرد الترك؛ لأن المقاطعة ترك، فكيف إذا فعلوا أشياء أخرى. السخرية بالنبي صلى الله عليه وسلم كشفت محبته في قلوب المسلمين. أيها المسلمون يا عباد الله: لقد كشفت القضية معنى الإيمان والإسلام، لقد سلطت القضية الأضواء على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، لقد تحركت في نفوس المؤمنين العاطفة الجياشة تجاه نبيهم، ومن ذا الذي يرضى أن يمس جناب نبيه بسوء، ولذلك هذه الأمة على ما فيها من الضعف، والجراحات، والفرقة، لكن فيها روح المقاومة، والتحدي لأعدائها، وقد علّمنا سفهاء القوم التواصي على الخير، والتعاون على البر، والشعور بالمسؤولية، لقد حركوا في قلوب المسلمين حب النبي عليه الصلاة والسلام، فثارت الأشواق، وهاجت الذكريات، وعاش المسلمون أياماً في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام الرحبة العطرة، المعطاءة الجميلة، المثمرة، هو القدوة والأسوة عليه الصلاة والسلام، فهذه الخطب، والأخبار، والمقالات، والقصائد، وأحاديث المجالس، ورسائل الجوال، ومنتديات الإنترنت، وبرامج الإذاعة، وهكذا التلفزيون، والقنوات، فلو أننا والله عملنا خطة من سائر الخطباء والكتاب على إثارة روح الحمية في المسلمين، لما استطعنا أن نفعلها بالشكل الذي حصلت، ولقد نفضت هذه الأحداث الغبار عن الحقد الأعمى، والعداء السافر لأهل الصليب تجاه المسلمين ونبيهم عليه الصلاة والسلام، لقد تشكل للمسلمين رأي عام، ضاغط ومؤثر، لقد صار الجهاد بالمقاطعة أمراً واقعاً، وصار للأمة سلاح لم تكن تشعر به وهي تملكه، وتستطيع أن تستعمله، واستطاع المسلمون أن يفرضوا أنفسهم عالمياً بهذه الحركة العظيمة المباركة التي أشغلت العالم، فلو قلت اليوم: ما هو الحدث رقم واحد في العالم الذي يشتغلون به شرقاً وغرباً؟ هذه المقاطعة، وهذا الشعور الذي حدث من المسلمين يؤكد قول الله: يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَسورة الصف 8. ومكر السيئ لا يحيق إلا بأهله وهكذا وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَسورة الأنفال 30.وعندما ترى أولئك القوم يريدون حل القضية بأيت طريقة، ويشعرون بالورطة العظيمة تتأمل في قوله تعالى: ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَسورة الأنفال 18. وتخرج من قوله تعالى: وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍسورة غافر 25. بفوائد عظيمة ودروس ضخمة. السيف أشهر والليوث ضواري *** ذوّادة عن سيد الأبرار يا قائد الأحرار دونك أمة *** فاقذف بجندك ساحة الكفار واضرب بنا لجج المهالك غاضباً *** حتى نركع سطوة التيار الفرس والروم العلوج تدمروا *** منا فكيف بإخوة الأبقار وهكذا انطلقت حركات المسلمين -والحركة بركة- شرقاً وغرباً، كل يقدم ما يستطيع فداءً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفاعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. اللهم انصر دينك وكتابك ورسولك وسنته عليه الصلاة والسلام في العالمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم اخذل أهل الكفر أجمعين، اللهم اجعل لنا الغلبة عليهم عاجلاً يا رب العالمين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين، ملك يوم الدين، رب الأولين والآخرين، وهو الله لا إله إلا هو الحي القيوم، الذي نزل الكتاب على عبده ليكون للعالمين نذيراً، وأشهد أن محمداً رسول الله خاتم النبيين، وإمام المتقين، وحامل لواء الحمد، والشافع المشفع يوم يقوم الناس لرب العالمين، فصلوات الله وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، وصلوات الله وسلامه عليه ما تحركت ألسن الأبرار، وصلوات الله وسلامه عليه رغم أنف الكفار. عباد الله: نصلي ونسلم على محمد بن عبد الله نبينا، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأتباعه وأزواجه وذريته، اللهم صل وسلم على محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد كما باركت على آل إبراهيم. عباد الله: ديننا لا يقبل سخرية، ديننا ليس فيه مجال لهذا الكفر باسم حرية الرأي، ولا حرية التعبير، ولا حرية الرسم؛ لأن هذه الحرية هي انفلات واعتداء على الآخرين؛ لأنها كفر وردة. أيها المسلمون: لقد ظهر شيء من العزة الإسلامية، وسيظهر المزيد بإذن الله، وهذا النبي الكريم الذي كانت كل هذه الأحداث بسبب هذه الهجمة عليه، إنه رسول رؤوف بالمؤمنين رحيم، إنه رسول مشفق علينا، عزيز عليه ما يشق علينا، إنه رسول من أنفسنا. يا عباد الله: صاحب الإنجازات العظيمة، الذي وحّد جزيرة العرب تحت حكم الإسلام، الذي طهّر البيت العتيق من الأصنام، الذي بلّغ الرسالة، الذي أرسل رسله لتفتح المدينة النبوية بالقرآن وليس بالسيف، الذي حول العرب من رعاع من غوغاء جهلة، أمة يقتل بعضها بعضاً، ويأكلون الخنافس والجعلان، ويصنع أحدهم إلهاً من التمر يعبده فإذا جاع أكله، أمة كانت مستعبدة من قبل الأمم الأخرى، ذليلة خانعة، لا يجرؤون أن يخرجوا من جزيرتهم بشيء فيه مواجهة لبني الأصفر، أو لغيرهم من أمم الأرض، فأسقط الله بهذا النبي الكريم دول الكفر، وأعد عليه الصلاة والسلام القادة العظام قبل موته، بعد أن خضعت الجزيرة لحكمه، فانطلق الفاتحون في الأرض من أصحابه، الذين أعدهم ليصلوا إلى أذربيجان، وأرمينيا، وإلى المغرب، وبلاد أفريقيا، ليصلوا إلى بلاد السند، هؤلاء الصحابة، فُتح أكثر العالم الإسلامي في عهد الصحابة الذين أعدهم محمد بن عبد الله، صاحب الإنجازات العظيمة عليه الصلاة والسلام، نجح في أمور الدنيا فأقام الدولة، والجيش، والقوة، ونجح في أمور الآخرة فهو سيد ولد آدم. لقد تحقق الأمن في جزيرة العرب بعد أن كانت اعتداءات، وكانت همجية ووحشية، فصارت أمة لها أهداف، صاروا قادة للعالم، صاروا قدوات، كانوا هملاً ليس لهم منهج حياة، منهجهم أن يعتدي القوي على الضعيف، ويبغي بعضهم على بعض، ويشربوا الخمر، ويرتكبوا الفواحش، فصاروا أصحاب منهج يقدم عندهم، أمر مقنع يقدمونه للعالم فيرضخ لهم، وحضارات يونانية، رومانية، فارسية، حضارات كلها سقطت؛ لتمشي في ركاب المسلمين، لم يكونوا مجرد جيش فاتح متغلب بالقوة، لا، وإنما كان صاحب منهج، ودين، وعقيدة تخضع له الأمم، وانقادوا إلى الجنة طوعاً، ومنهم من قاد بالسلاسل ثم اقتنع، وشهد له الأعداء، لقد ارتقى عليه الصلاة والسلام بالعبيد، ارتقى بالجميع، جاء بالمساواة بين المسلمين، حتى المرأة جعل لها شأناً ليس كشأن المنافقين اليوم، ولكنه شأن كريم، مصان، طاهر، نقي، عفيف، فلها الحق في الميراث بعد أن لم تكن ترث شيئاً، وجعل لها الحق في الرأي، وأشارت عليه زوجته في أمر عام خطير، وهكذا أخرج عليه الصلاة والسلام جيلاً من النساء، والرجال، من أهل التربية، والتميز، والقيادة، والدعوة، والعلم، وبلّغ عليه الصلاة والسلام الوحي والقرآن كاملاً، نصح الأمة، ما ترك شيئاً من الخير إلا دلنا عليه، ولا شيئاً من الشر إلا حذرنا منه، تركنا على البيضاء، بنى المساجد، وعمرت المساجد في ديار الإسلام من بعده، فصار يُعبد الله في الأرض وحده لا شريك له، وأهل الشرك بين خائف، ومقهور مغلوب، ومؤدٍ للجزية ذليل. رغم الاعتداءات إلا أن الله تعالى ناصر رسوله صلى الله عليه وسلم. عباد الله: هذا النبي الكريم بهذه المنجزات، يشن عليه الأعداء اليوم هذه الحملات، ويوجهون السهام، ولكن الله سبحانه وتعالى ناصر رسوله إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُسورة غافر 51. وإنني أرى أن هذه القومة المباركة لهذه الأمة، في هذا الحدث الذي صار من أوروبا، وانتشرت آثاره في العالم، وخافوا منه أشد الخوف، إنه والله مثال لنصر الله لنبيه كما في الآية: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ألا ترون معي أيها الإخوة أن هذا من نصر الله لنبيه في الحياة الدنيا؟ أليس قد أعلى ذكره؟ فلا زال مرتفعاً، ولا يمكن أن يغطى، ولا أن ينزل، ولا أن يخبو ويختفي؛ لأن الله رفعه، والشيء المرفوع هذا شرعي، قدري، كوني، فلا يمكن أن ينخفض ويزول إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا استغربوا كثيراً واندهشوا، لماذا قامت الدنيا عند المسلمين من أجل الرسومات؟ القوم لا يعرفون أن هذا الرمز بالنسبة إلينا هو من صلب الدين، إنها ليست شخصية عادية، إنه ليس رجل عاش ومات وانتهت القضية، كلا، إنه يعيش في قلوب جميع المؤمنين، يقولون: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، يسلمون عليه في التشهد يومياً مراراً، فكيف يخبو ذكره بعد ذلك في قلوبهم؟ ولذلك فإن من إدارة الصراع في أزمة الدانمرك، والمسلمون بأشد الحاجة إلى من يدير الصراع في هذه الأزمة وغيرها، إدارة الصراع في الأزمات، لا بد أن نوضح للكفار من هو هذا الشخص الذي قاموا بسبه، أو الطعن فيه، وما علاقته بالدين، والارتباط الوثيق جداً بين النبي عليه الصلاة والسلام والإسلام، القوم جهلة، وكثير منهم لا يعرفون مكانة النبي في الدين، يظنونه مؤسس ومات وانتهى، لا، هو مرتبط بالدين؛ لأن الوحي جاءنا عن طريقه، هو مرتبط بالدين إلى يوم الدين، وبعد يوم الدين، لأن السيرة النبوية هي التطبيق العملي للدين، لأنه عليه الصلاة والسلام في أعظم منجزاته ترك لنا حياة كاملة في جميع الجوانب، قدوة، قائداً، وحاكماً، وعالماً، ومفتياً، وأباً، وزوجاً، وإماماً، وخطيباً، إنه عليه الصلاة والسلام قدوة في أخلاقه، في معاملته، في شجاعته، في علمه، في تعليمه، في صبره، في حيائه، في صدقه، في أمانته، في جرأته عليه الصلاة والسلام في الحق، النبي عليه الصلاة والسلام مرتبط بصميم الدين؛ لأن الأحاديث والآيات تلاها علينا، والأحاديث النبوية وفيها جزء عظيم من أحكام الدين، السنة: هي حديثه الذي أوحاه إليه ربه، فهذا القدوة التطبيق العملي للدين لا ينفك عن الدين، ولذلك الطعن فيه طعن في الإسلام، الاعتداء عليه اعتداء على الإسلام، ليست شخصية عادية، والقضية قضية شخصية، وطعن في شخص، لا، الطعن فيه طعن في الدين. علاقات دولية تهتز، وأزمات دبلوماسية تقوم، وإقفال مصانع، وتسريح موظفين، وخراب اقتصاد، وسقوط وزارة، وإقالة أشخاص؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ليس شخصاً عادياً، ولذلك تقوم الدنيا لأجله، طبعاً، ولماذا لا تقوم؟ بل هذا هو الطبيعي لا بد أن تقوم. ومن إدارة الصراع: أن يكون لهذه المقاطعة سياسة ومنهج، فتوجه إلى البادي -والبادي أظلم- ولا تتشتت إلى بلدان أخرى، إنها مقاطعة محكومة بالقدرة، والاستطاعة أيضاً، والتضحية، وبعض الناس يقولون: سهلت عليكم لأنها مقاطعة أجبان، وألبان، ولو كانت شيئاً آخر ما استطعتم، فنقول: جاءت تدريباً للمسلمين، وسيستطيعون إن شاء الله، وكشفت لنا حجم المستوردات، وأهمية أن يكون في العالم الإسلامي تصنيع داخلي، نستغني به عن أولئك القوم، القضية هذه كشفت أشياء ضخمة جداً وكثيرة أيها الإخوة. ومن إدارة الصراع: تحديد المطالب التي تربط بنهاية معينة تحصل إذا تحققت المطالب، فإن قالوا: نعتذر، فنقول: لا بد أن يكون اعتذاراً صريحاً ودائماً، وليست مؤقتاً يسحب، ولا ملتوياً، ثم أنتم خربتم، فلا بد أن تصلحوا ما خربتم، أليس قد نشرتم تشويهاً لصورته وسيرته؟ إذاً عليكم أن تفسحوا المجال، وتفتحوا المقال ليكتب في نفس المكان من سيرته العظيمة العطرة ما يبيّن الحقيقة، لا يكفي الاعتذار فقط، ألستم اعتديتم بالطعن فيه، فلا بد أن يكتب في نفس الجريدة، ونفس المكان نبذة عنه، وعن شخصيته وسيرته عليه الصلاة والسلام، وأن تبينوا تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْسورة البقرة 160. فلا بد من التبيين، وتقول: الذي طعنا فيه اكتشفنا أن حقيقته كذا وكذا وكذا، وهكذا يكون الانتصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا أقل ما يمكن أن نطالب به. عباد الله: إن توضيح أبعاد الصراع مهمة جداً، وأن القضية فيها هجمة صليبية، كيف وقد توزع القوم القضية، ونشروها الآن في جرائد مختلفة، في بلدان مختلفة، من أجل الالتفاف على مقاطعة المسلمين. عباد الله: لقد كان رد فعل المسلمين عظيماً من جميع شرائح المجتمع، وكانت تلك الشعارات التي رفعها المسلمون دالة على العزة، إنه شيء أردنا أن نشعر به منذ زمن طويل، إنه شعور جديد علينا نحن المسلمين في هذا الجيل، شعر آباؤنا وأجدادنا بأضعاف أضعافه، يوم كان للإسلام قوة وسطوة للمسلمين في العالم. عباد الله: لا بد أن يوجد من جهتنا دعوة وتبيان لحقيقة هذا النبي الكريم، لا بد أن يعرف أولئك القوم أن الدور على من يفعل مثل هذه الفعلة سيأتي واحداً تلو الآخر، وأننا سنربيهم إن شاء الله على معرفة مكانة هذا النبي الكريم في نفوسنا. حق النبي صلى الله عليه وسلم علينا وواجبنا نحوه. أيها المسلمون: ونبينا عليه الصلاة والسلام له حق عظيم علينا، وهذه الحادثة تذكرنا بحق نبينا عليه الصلاة والسلام علينا، واجبنا نحوه في الإيمان به والتصديق، واجبنا نحوه عليه الصلاة والسلام بطاعته واتباع شريعته، واجبنا نحوه عليه الصلاة والسلام بالاتساء والاقتداء به في الصغيرة والكبيرة، في التمسك بسنته، واجبنا نحوه عليه الصلاة والسلام أن نقوم بحقوقه، وأن نصلي عليه صلى الله عليه وسلم في كل مجلس، وحيثما ذكر ونقول: صلى الله عليه وسلم، عليه الصلاة والسلام، وليس صاد -(ص)- بين قوسين ولا (صلعم) اختصارات سخيفة، وإنما نقولها كاملة تامة، وأن نمتثل أمره، ونتبع ما جاء به، وأن نحكّمه، وأن نرجع إلى سنته، ولا نروي عنه حديثاً إلا بعد التأكد من صحته، وأن نسلم لحكمه، وأن نحبه ونقدم محبته على محبة الأهل والمال والولد والوالد عليه الصلاة والسلام، وهذا واجب علينا أن ننصح له بالدفاع عنه، والغيرة على دينه وسنته، وأن نبغض أعدائه، وأن نوقره عليه الصلاة والسلام، وأن ننصره وأن نحترمه، ولا نرفع الأصوات في مسجده، ولا نرفع الأصوات فوق حديثه إذا قرئ، وكذلك فإننا نعظم آل بيت محمد صلى الله عليه وسلم، ونعرف لهم حقهم، اللهم صل وسلم وبارك عليه، اللهم انصره، اللهم انصر سنته، اللهم انصر دينه، اللهم انصر أتباعه في العالمين، اللهم إنا نسألك أن تعز أهل الإسلام، وتذل أهل الشرك والكفر، اللهم إنا نسألك أن تعيدنا إلى الدين عوداً حميداً، اللهم ارزقنا الاستمساك بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، من أراد الإسلام وأهله بسوء فخذه، اللهم كده، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، وسائر بلاد المسلمين، اللهم انشر رحمتك علينا، واغفر ذنوبنا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، ورد ضالنا إلى الحق، اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. 1 - أخرجه البخاري 7013. 2 - أخرجه البخاري 335. 3 - أخرجه البخاري 614. 4 - أخرجه البخاري 2704. 5 - أخرجه الحاكم في المستدرك 5034. 6 - أخرجه مسلم 542.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

فوائد من كتاب ثلاثون سببا للسعادة لعائض القرنى

صيد الفوائد

فرسان السنة